#زمن_الفن_الجميل
كشكش بيه و الضاحك الباكي
Mostafa Elsheikh originally shared:
أول أمس كان ذكري ميلاد الفنان الكوميدي الكبير " نـجـيـب الـريـحـانـي " كشكش بيه الضاحك الباكي أستاذ الكوميديا وزعيم المسرح الفكاهي
ولد نجيب إلياس ريحانة الشهير ب " نـجـيـب الـريـحـانـي " في حي باب الشعرية لأب من أصل عراقي مسيحي اسمه " إلياس ريحانة " يعمل بتجارة الخيل فاستقر به الحال في القاهرة ليتزوج سيدة مصرية قبطية أنجب منها ولده " نجيب " ، نشأ " نـجـيـب الـريـحـانـي " في القاهرة وعاش في حي باب الشعرية الشعبية منفردا فعاشر الطبقة الشعبية البسيطة والفقيرة ، عاش في حي الظاهر بالقاهرة وبدت عليه ظاهرة الانطوائية إبان دراسته بمدرسة الفرير الابتدائية ، وهي مدرسة لغتها الرسمية الفرنسية مما أتاح له فهم هذه اللغة وتطويعها لعقليته الصغيرة.
عندما أكمل " نـجـيـب الـريـحـانـي " تعليمه ظهرت عليه بعض الملامح الساخرة ولكنه كان يسخر بخجل ، وعندما نال شهادة البكالوريا " الثانوية العامة " كان والده قد تدهورت تجارته فاكتفى بهذه الشهادة وبحث عن عمل يساعد به اسرته وهو لم يبلغ السادسة عشرة بعد - التحق بِعملٍ بالبنك الزراعي، لِيُساهم بِدوره في الإنفاق على أُسرته.
عندما بدأ " نـجـيـب الـريـحـانـي " بِعمله في البنك الزراعي تعرف على " عزيز عيد " وهو مخرج شاب لم يكن عمله في البنك يمنعه عن مُولاة التمثيل فجمعت بينهما صداقةٌ متينة وكانت سببا في حب " نـجـيـب الـريـحـانـي " لِلمسرح إذ أخذ الصديقان يترددان معا على الفرق المسرحية بالقاهرة وتمكنا من الحُصول على وظيفتي كومبارس بِدار الأوپرا وكانت أوَّل رواية اشترك الريحاني في تمثيلها هي رواية " الملك يلهو "
قرر " عزيز عيد " تكوين فرقته المسرحية الخاصة وكان من الطبيعي أن ينضم " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى هذه الفرقة ، استقال " عزيز عيد " من عمله في البنك سنة 1908م ليتفرغ تمامًا للتمثيل ، وانتقل بِفرقته المسرحية إلى مسرح إسكندر فرح بِشارع عبد العزيز وتشارك مع الممثل القديم " سليمان الحداد " وكان " نـجـيـب الـريـحـانـي " بحكم صداقته مع " عزيز عيد " كانت تسند إليه أدوار ثانويَّة صغيرة ، ولم يكن انصراف " نـجـيـب الـريـحـانـي " للمسرح يسمح له بالانتظام في عمله بالبنك ، ففصل منه بعد أن أصبح عدد أيام تغيُبه عن عمله لا يطاق بالنسبة لِلإدارة
بعد فصله من البنك بفترة قصيرة عرض عليه الممثل " أمين عطا الله " الذي كان قد تعرف عليه في فرقة " عزيز عيد "العمل بِفرقة أخيه " سليم عطا الله " بِالإسكندريَّة مقابل أربعة جنيه في الشهر ، فقبل " نـجـيـب الـريـحـانـي " وكانت أول مسرحية مثلها هي مسرحية " شارلُمان " التي أُسند إليه فيها دور الإمبراطور الإفرنجي وهو دور ثانوي ويذكر أن " نـجـيـب الـريـحـانـي " قد أدي دوره بِنجاحٍ مبهر في ليلة الافتتاح حتي طغى على البطل نفسه " سليم عطا الله " الذي كان يُشارك بالتمثيل وبعد الانتهاء من العرض حتى هرع إلى " نـجـيـب الـريـحـانـي " جمهور من الكتاب والأُدباء وصافحوه مُهنئين ونصحوا المدير " سليم عطا الله " بالاحتفاظ به لأنَّه سيكون ممثلًا لا يشق له غبار ، ويبدو أن هذا النجاح أثار عليه حقد المدير " سليم عطا الله " فقرر فصله من الفرقة
بعد فترة طويلة قضاها " نـجـيـب الـريـحـانـي " بلا عمل تحول لِلبحث عن عمل في مجالٍ آخر غير المسرح ، حتي كانت سنة 1910م حيث التحق بوظيفة كاتب حسابات بشركة السكر بنجع حمادي بالصعيد ، وهذه الشركة كانت ملكا خالصا للاقتصادي المصري " أحمد عبود باشا " والذي أنشأ عدة شركات تعمل في كل المجالات ، ولكن لم يدم " نـجـيـب الـريـحـانـي " طويلاً في تلك الوظيفة حيث تم فصله من العمل وعاد الي القاهرة ، وازدادت أحواله سوءًا على سوء عندما طردته والدته من المنزل بعد فصله من عمله كونها كانت قد ضاقت به ذرعا ، وبعد فترة تمكن " نـجـيـب الـريـحـانـي " من العثور على عمل كمترجم بفرقة الشيخ " أحمد الشامي " ترجم لها مسرحيتين فرنسيتين وذات يومٍ فوجئ بِزيارة امة له ، التي أتته تحمل خطابا من شركة السكر يبح له العودة إلى عمله السابق ، وحاولت إقناعه بِترك التمثيل وتقبل " نـجـيـب الـريـحـانـي " العرض لأنَه كان قد ذاق الهوان في هذه الفرقة وعاد مع امه إلى القاهرة ومنها سافر إلى شركة السكر بِنجع حمادي ، وقضى سنتين في الشركة واجنهد في عمله حتى حاز ثقة مدير الشركة وغيره من الرُؤساء ، فارتفع بِذلك مرتبه إلى أربعة عشر جنيها في الشهر.
وفي سنة 1912م تلقى رسالة من " عزيز عيد " يخبره فيها بِإنشاء فرقة جديدة تولى إدارتها الممثل " جورج أبيض " وقرأ " نـجـيـب الـريـحـانـي " هذه الرسالة ولم يعد يستطيع مقاومة إغراء المسرح فحصل على إجازة وسافر إلى القاهرة ، وهناك شاهد جميع مسرحيات جورج أبيض ، ثم عاد بعد شهرين إلى عمله لِنفاذ نقوده ، ومضت سنتان أُخرتان لم يحدث فيهما تغيير يذكر وفي سنة 1914م فصل " نـجـيـب الـريـحـانـي " مرة أخرى من شركة السكر فعاد إلى القاهرة مجددا
بعد عودته إلى القاهرة التحق " نـجـيـب الـريـحـانـي " بِفرقة جورج أبيض " وكانت أول مسرحية يظهر فيها " نـجـيـب الـريـحـانـي " هي مسرحية " صلاح الدين الأيوبي " وكان جورج أبيض يضطلع فيها بِدور الملك الإنجليزي ريتشارد قلب الأسد ، بينما اختير للريحاني دورا صغيرا هو ملك النمسا ، وكان كل ما عليه أن يفعله هو أن يقف أمام جورج أبيض ويتكلَم بضع كلماتٍ فقط.
وكانت الحرب العالمية الأولى قد اشتعلت في ذلك الوقت ، وكانت الصحف والمجلات المصرية والأجنبية تنشر صورا لِمُلوك وأباطرة الدول المتحاربة ، ومن بينها صورة الإمبراطور النمساوي " فرانس جوزف الأول " فخطر " نـجـيـب الـريـحـانـي " أن يتقمص شخصيَة هذا الإمبراطور ما دام دوره هو ملك النمسا فتبرج ووضع لحية اصطناعية على وجهه ، ثم خرج إلى المسرح حينما حان الوقت ، فضج الجمهور بالضحك ، وعلى أثر ذلك الحادث فصل " نـجـيـب الـريـحـانـي " من الفرقة ولم يصبح بلا عمل فقط ، بل إنه وجد جميع الأبواب مغلقة في وجهه كذلك
بعد فصله من الفرقة أخذ " نـجـيـب الـريـحـانـي " يتردد على المقهى يوميا ليقضي أوقات فراغه ولحق به " عزيز عيد " الذي ترك هو الآخر فرقة " جورج أبيض " وجلس الاثنان يتشاوران في أمر مستقبلهما وسرعان ما انضم إليهما بعض الممثلين الذين كانوا يعانون الإفلاس والبطالة مثلهم ، ومنهم " أمين صدقي ــ استيفان روستي ــ حسن فائق ــ عبد اللطيف جمجوم " وكانوا جميعا يتطلعون إلى تكوين فرقة جديدة ، وذات يومٍ قدَّم لهم ثري من رواد المقهى عشرة جُنيهات ، لِيبدءوا في تكوين الفرقة ، فأنشأوا بِهذا المبلغ " فرقة الكوميدي العربي " في صيف سنة 1914م تحت إشراف " عزيز عيد " واستهلَّت الفرقة نشاطها في مسرح " برنتانيا " بِإحدى أعمال الكاتب الفرنسى جورج فيدو هي " خلِّي بالك من إميلي " وهي من ترجمة " أمين صدقي " وأعلن " عزيز عيد " أن مشاهدة هذه المسرحية مقصورة على الرجال فقط ، هاجم النقَاد هذه المسرحية بحجة مخالفتها لِلواقع والمنطق والأخلاق.
وبعد شهرين انتقلت الفرقة إلى مسرحٍ آخر أقل نفقات ، وهو مسرح " الشانزليزيه " بِالفجالة ، ولم يكتب لِهذه المحاولة النجاح وانخفض دخل الفرقة مما أدى إلى توقف عروضها وفي نهاية الأمر تم حل الفرقة
وفي منتصف عام 1916م كان " نـجـيـب الـريـحـانـي " جالسًا في مقهى مسرح " برنتانيا " فأتى شخص يرتدي سترة فاخرة ويمسك عصا وجلس بجانبه وناوله سيجارة دون مقدمات حيث كان " استيفان روستي " زميله الذي عانى معه من الشقاء والفقر ، وأخذ روستي يحدثه عن مصدر ثروته ، حيث وجد عملًا بِملهى " الأبيه دي روز " الذي كان ملكا لِشخصٍ يوناني يدعى " روزاتي " هناك كان استيفان روستي يُقدِّم مسرحيات خيال الظل ، ويُؤدي مع إحدى المُمثلات مشاهد غراميَة كوميدية خلف ستارة شفافة تضاء من الداخل ، وهذا اللون من التمثيل كان مألوفا لجمهور الملهى وكان " استيفان روستي " يتقاضى عن دوره أجرا مرتفعا ، بلغ ستين قرشًا في الليلة الواحدة.
وطلب " نـجـيـب الـريـحـانـي " من " استيفان روستي " أن يجد لهُ عملًا مماثلًا معه وكان دور " نـجـيـب الـريـحـانـي " في تمثيلية خيال الظل بسيطا للغاية ، إذ تقدم راقصة حسناء بِمصاحبة الريحاني ، الذي كان يؤدي دور خادمٍ نوبي على رأسه طربوشٍ وكان أجر " نـجـيـب الـريـحـانـي " أربعين قرشا عن الليلة الواحدة وبعد فترة رأى " نـجـيـب الـريـحـانـي " أن الوقت قد حان لِكي يهجر دوره في تمثيلية خيال الظل الهابطة ، فأقنع " روزاتي " صاحب الملهى بأن يسمح له هو و " استيفان روستي " بِتقديم كوميديا قصيرة من فصلٍ واحد بالفرنسية إلا أن هذه الخطوة لم تنجح
وذات يوم خطرت " نـجـيـب الـريـحـانـي " فكرة جديدة ، وكانت هذه الفكرة هي شخصية " كشكش بك " وفي أول شهر يوليو عام 1916 كتب " نـجـيـب الـريـحـانـي " وأخرج أولى مسرحيات " كشكش بك " بِعنوان " تعالي لي يا بطة " التي استغرق عرضها عشرين دقيقة ، وابتهج جمهور حفل الافتتاح ورفع " روزاتي " أجر " نـجـيـب الـريـحـانـي " الذي تعهد بِإخراج مسرحية جديدة كل أسبوع ، فأخرج بعدها مسرحيتي" بِستة ريال ــ بكره في المشمش " وسُرعان ما ذاعت أنباء هذه المسرحيات وتهافت الناس على مشاهدتها ، فقد فكر " نـجـيـب الـريـحـانـي " في الاستعانة بِـ " أمين صدقي " كما قام بِتنمية فرقته الصغيرة المؤلفة من " استيفان روستي و عبد اللطيف المصري " بأن ضم إليها " كلود ريكانو و عبد اللطيف جمجوم "
وفي أواخر عام 1916م قدم " نـجـيـب الـريـحـانـي " أربع مسرحيات جديدة ، هي على التوالي" خلِّيك تقيل ــ هزِّ يا وز ــ إديلو جامد ــ بلاش أونطة "
حققت مسرحيات الريحاني نجاحًا كبيرًا حتى ارتقى من ممثل صغير إلى مؤلف مشهور ونجم لامع وعندما أصر " نـجـيـب الـريـحـانـي " على رفع أجره حيث طلب زيادة أُخرى رفض " روزاتي " فترك المسرح وقرر أن يعمل لِحسابه الخاص.
نظَم " نـجـيـب الـريـحـانـي " فرقته الخاصة وانتقل إلى مسرحٍ صغيرٍ يقع في شارع بولاق ، هو مسرح " الرينيسانس " وفي 18 ديسمبر 1916م بدأت مرحلة جديدة من حياة " نـجـيـب الـريـحـانـي " الفنيَة كممثل ومدير فرقة ، ففي هذا اليوم نشرت جريدة الأهرام إعلانًا مفاده أنَ الريحاني سيعرض رواية " إبقى قابلني " في تياترو الرينيسانس وأن هذه الرواية قابلة لِحضور العائلات والسيِدات كونها عبارة عن تسلية بريئة لا أكثر.
وقد مثلت " إبقى قابلني " في شهر يناير 1917 ثم تلتها " كشكش في باريس ــ أحلام كشكش بك ــ وداع كشكش بك ــ وصية كشكش بك " وانتهى عقد " نـجـيـب الـريـحـانـي " بِمسرح الرينيسانس بعد أن استغرق عمله فيه أربعة أشهر وكان موسمًا على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لمشوار نجيب الريحاني
بعد النجاح الذي حققه " نـجـيـب الـريـحـانـي " سعي الي تدعيم فرقته بِعناصر جديدة وجيِدة ، وأول شئ فعله هو تحويل مقهي الي مسرح " الإجپسيانا " في شهر سپتمبر 1917م وقد بلغت الفرقة درجةً عالية من القوة والتماسك وقد افتتحت الفرقة موسمها في سپتمبر 1917م بِمسرحية " أم أحمد " من تأليف أمين صدقي ، وبعد هذه المسرحية قامت الفرقة بثلاث مسرحيات قصيرة وهي " أم بكير ــ حماتك بتحبك ــ حلق حوش "
وفي شهر ديسمبر 1917م وجد " نـجـيـب الـريـحـانـي " أن الوقت قد حان لإجراء تحسينات فنية ، فداخلتهُ الثقة بِقُدرته على إنتاج استعراضات ذات موضوعات جادة ومضمون مصري وعربي ، فاستعان بِأوركسترا موسيقية كبيرة ، حتى يتسنى له تقديم استعراضات فخمة ، وزود المسرح بالتصميمات اللازمة ، كما طلب من أمين صدقي كتابة استعراض جديد يحمل عنوان " حمار وحلاوة " وقد حققت نجاحا هائلا فاستمر عرضها أربعة أشهر ، وبلغت أرباح " نـجـيـب الـريـحـانـي " وحده 400 جنية في الشهر الأول ، وعلى ذلك النجاح طلب " أمين صدقي " نسبة من الأرباح لكن " نـجـيـب الـريـحـانـي " رفض فاستقال " امين صدقي " من الفرقة
وقد خلف " امين صدقي " في الفرقة شاعر شاب يدعى " بديع خيري " حيث أصبح صاحب فضل في نجاح استعراضات" نـجـيـب الـريـحـانـي " بِأزجاله الوطنية وقد نجح أول استعراض " على كيفك " حيث كتب " بديع خيري " أغانيه حتى أن عرضه استمر شهرين ونصف وحقق أرباحا هائلة وكان " نـجـيـب الـريـحـانـي " سعيدًا بِجهود " بديع خيري " فرفع راتبه إلى ثلاثين جُنيهًا
كما أغرى " نـجـيـب الـريـحـانـي " موسيقار شاب موهوب وهو " سيِد درويش " بِترك فرقة " جورج أبيض " مقابل أربعين جُنيهًا في الشهر وخلال هذه الفترة عرض " للريحاني " عدَّة مسرحيَّات هي على التوالي " مصر في 1918 ، 1920 ــ قولوا له ــ إش! ــ ولو! ــ رن! ــ فشر " وفي تلك الفترة بلغ مسرح " الإجپسيانا " قمة مجده وقد بلغت أرباح الريحاني " حتى نهاية السنة الأولى 28 ألف جُنيه
وفي بداية الموسم الشتوي لِسنة 1920م جمع " نـجـيـب الـريـحـانـي " أعضاء فرقته وشرع في تقديم مسرحيَّات " كشكش بك " في جولة في بعض الأقطار العربية لكن هذه الرحلة لم يكتب لها النجاح المطلوب ولكنها حققت نتيجة طيِبة في جانبٍ آخر بالنسبة " نـجـيـب الـريـحـانـي " حيث إلتقى في لبنان بامرأة جميلة تدعى " بديعة مصابني " أغراها بالانضمام إلى فرقته واتخذها خليلة له وعاد معها إلى مصر.
وفي سنة 1921م أخرج " نـجـيـب الـريـحـانـي " واحدة من أبرز ما شهد المسرح المصري بِعنوان " ريا وسكينة " وقد نجحت تلك المسرحية نجاحا باهرا ، وظل " الريحاني " يقدم عروضه من شهر مارس حتي شهر مايو على مسرح " كونكورديا " بالإسكندرية وعند انتهاء العقد قرر " نـجـيـب الـريـحـانـي " القيام بِرحلة أخرى إلى الشام ولم تؤد هذه الرحلة إلى نتيجة فقد ظلت المتاعب تؤرقه وساءت حالته المادية مما جعله يفكر باعتزال المسرح ، حتى علم أن مُمثلًا شابا يدعى " يوسف وهبي " شرع في تكوين فرقة جديدة يتبع فيها أسلوبا مسرحيا جديدا هو " الميلودراما " ولم يكن مخرج فرقة وهبي الجديدة سوى " عزيز عيد " عندئذ قرر " نـجـيـب الـريـحـانـي " على الفور أن يعود إلى مصر وكانت أول مشكلة صادفت " نـجـيـب الـريـحـانـي " بعد عودته إلى القاهرة في شهر يناير 1923م هي العثور على نص وذات يوم قدم له " بديع خيري " أوپريت مقتبسة من قصة " علاء الدين والمصباح السحري " نجحت المسرحية سالفة الذكر بمجرد عرضها وعندما ظهر الريحاني على المنصة في ليلة الافتتاح ، استقبله الجمهور بعاصفة من التصفيق
وفي مايو 1923م أخرج " نـجـيـب الـريـحـانـي " أوپريت جديدة تحمل عنوان " الشاطر حسن " وكانت هي الأُخرى مقتبسة عن " ألف ليلة وليلة " وفي فبراير 1924م قدم أوپريت جديدة هي " البرنسيس " كما أخرج " نـجـيـب الـريـحـانـي " في نفس الشهر أوپريتين جديدتين هما " أيام العز ــ الفلوس " ثم تبعهما بـ " مجلس الأُنس " واختتم عام 1924 بالأوپريت " لو كنت ملك " وبعدها انتهى عقد " نـجـيـب الـريـحـانـي " مع مسرح " برنتانيا " في شهر يوليو
رحـلـتـه إلـي أمـريـكـا الجـنـوبـيـة
فكر " نـجـيـب الـريـحـانـي " بِالقيام بِرحلةٍ جديدة متطلعا من وراء رحلته إلى تحقيق أهدافٍ ترفيهية وماديَة. وكان قد علم أن أمريكا الجنوبية تضم جالية عربية ضخمة وقبل أن يبحر " نـجـيـب الـريـحـانـي " اتخذ قرارًا آخر يفوق الأول أهميَة وهو أن يتزوج " بديعة مصابني " فتوجَه إليها وطلب منها أن تنصرف معه ليتزوجها ووافقت بديعة وفي 11سپتمبر 1924م تم زواجهما وفي أواخر سنة 1924م أبحر " نـجـيـب الـريـحـانـي " وزوجته إلى البرازيل وبصحبته بعض أعضاء فرقته ، كانت مفاجأة سارة للريحاني إذ اكتشف أنه معروف في ساو پاولو وغيرها من المدن البرازيلية بل وجد لديهم نسخهم المحلية من " كشكش بك " أيضا
ففي البرازيل كان جورج استاتي السوري الأصل يمثل مسرحيات " نـجـيـب الـريـحـانـي " وقد أطلق على نفسه " كشكش البرازيلي " وفي الأرجنتين كان يوجد كشكش آخر يُمثله " جبران الطرابلسي"
استقبل " نـجـيـب الـريـحـانـي " بِحفاوةٍ في ريو دي جانيرو ومونتڤيدو ومثلت الفرقة في هاتين المدينتين فصولًا من أوپريتات المواسم الماضية.
عـودتـه الـي مـصـر
عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " في أكتوبر 1925م وكان في انتظاره بِميناء الإسكندرية " أمين صدقي " وكان صدقي قد اختلف مع " علي الكسار " وأبدى رغبته في معاودة العمل مع الريحاني فوافق " نـجـيـب الـريـحـانـي " لأنه اكتشف ان " بديع خيري " الذي كان مختصا بِكتابة مسرحيات الفرقة كان منشغلًا بِتأليف أوپريتات " علي الكسار "
فاشترك " نـجـيـب الـريـحـانـي " مع " أمين صدقي " في تكوين فرقة للأوپريت وترجم صدقي أوپريتتين فرنسيتين هما " الليل والنهار ــ مراتي في الجهاديَّة " وفي ليلية الافتتاح استقبل الجمهور" الريحاني " استقبالًا حارًا ولكن يدم التعاون بين " نـجـيـب الـريـحـانـي " وصدقي طويلًا فقد انفصلا بعد شهرين وفي نفس الفترة تشاجر الريحاني مع " بديعة مصابني " وانفصل عنها
وفي تلك الفترة تضاءلت تلك الشعبيَّة التي كان يتمتَّع بها الريحاني " بدلا من انه كان يعمل في الميدان بلا مُنافسة ، أصبح يتقاسم جُمهوره المسرح مع الفرق الأُخرى
بعد تلك الفترة والازمات لم يقم " نـجـيـب الـريـحـانـي " بِنشاط منتظم فقد تاه فجأة وسط جو مشحون بالاضطراب الفنِّي والمتاعب الماديَّة والأزمات العاطفية ، وقرر الريحاني وقتها أن يهجر الكوميديا إلى الميلودراما بعد أن أخذت تشق طريقها بِنجاحٍ متزايد مُنذ أن تبنَاها " يوسف وهبي " وفي الوقت نفسه كان يفكر في اتخاذ قرار بِشأن مستقبله حيث لم تكن له فرقة ولا مسرح ويبدو أن نجاح " يوسف وهبي " زاده إصرارا على هذا الأمر.
وذات يومٍ بينما كان " نـجـيـب الـريـحـانـي " جالسًا بالمقهى بلغتهُ أنباء بِأنَ نجوم فرقة " وهبي " قد اختلفوا مع صاحبها وانسحبوا منها ، ووجدها " نـجـيـب الـريـحـانـي " فرصة ثمينة فبادر باقتناصها ، وتعاقد معهم جميعا ، وقرر لهم أجورا أعلى من أُجورهم السابقة واستطاع بذلك تكوين فرقة من أقدر ممثلي الميلودراما وعلى رأسهم " روز اليوسف ــ عزيزة أمير ــ ومنسى فهمي ــ سرينا إبراهيم ــ حسن البارودي ــ حسين رياض ــ أحمد علام " أما بالنسبة للمسرح فقد كانت هناك صالة خالية مُجاورة لِمسرح " رمسيس " فاستولى عليها الريحاني وحوَلها إلى مسرح أنيق وأطلق عليه " مسرح الريحاني " ووقع اختياره على ست مسرحيَّات أوروپية مشهورة وعهد إلى بعض المترجمين بِمهمة نقلها إلى العربية الفصحى وفي شهر يونيو 1926م أعلن عن مشروعه الجديد لكن هذه الأنباء قوبلت بازدراء وتشكك ، وافتتح " الريحاني " مشروعه الجريء في أول شهر نوڤمبر 1926م بِمسرحيَة " المتمرِّدة " وفي ليلة الافتتاح استقبل الجُمهُور مشروع " نـجـيـب الـريـحـانـي " الجديد بِتشكك وبعدها بعدة مسرحيات ولكن لم يؤد عرض هذه المسرحيات إلى تحسن يذكر على موقف الفرقة وهبطت الإيرادات بِشدة ممَا اضطر " الريحاني " إلى خفض مرتبات الممثلين وأخيرا اضطر إلى وضع حد لِمشروعه وحل فرقته في 29 نوڤمبر بعد أربعة أسابيع فقط من الافتتاح.
خرج " نـجـيـب الـريـحـانـي " من هذه التجربة مفلسًا فقد اضطرَ إلى اقتراض مبالغ كبيرة لِيتمكَن من إخراج برامج جديدة لم يكن يستطيع تمويله ، وفي الأعوام التالية كان اهتمامه مُنصبًّا على سداد ديونه فكرس نشاطه لِإخراج مسرحيات مربحة ، لكنَها كانت مهمة شاقَة في ذلك الوقت ، بِسبب ظروف المسرح الصعبة آنذاك.
ففي أواخر عقد العشرينيَّات أخذ النشاط المسرحي يتقهقر بِصُورةٍ خطيرة فقد بدأ الجُمهُور يفقد اهتمامه بالمسرح، لانصرافه إلى مجالاتٍ أُخرى للتسلية. ففقد يُوسُف وهبي - مثلًا - نسبةً كبيرةً من جُمهُوره على أثر الزيارات المُتتابعة لِلفرق الأجنبيَّة.
وفي سنة 1925م قامت أول محاولة مُنظمة لِإنتاج فيلم مصري وأبدى الجمهور تحمسه لِلأفلام الصَّامتة ، كفيلم " ليلى " وقد صادفت الأفلام الأمريكية إقبالا جماهيريا واجتذبت هي والأفلام المصريَة نسبةً كبيرةً من جمهور المسرح ، كذلك أقبل الجمهور على عروض الصالات الموسيقيَة لِما كانت توفره لِلمتفرِج من متعة سهلة متنوِّعة مثل صالة " بديعة مصابني " لِهذا أقدم " نـجـيـب الـريـحـانـي " عندما عاد إلى الكوميديا على حشد العناصر الموسيقيَّة في مسرحيَّاته
عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى مسرحيَّات " كشكش " في أوَّل الموسم الجديد، وكوَن فرقةً جديدةً ضمَّ إليها كل من " حُسين إبراهيم ــ ألفرد حدَّاد ــ عبدُ الفتَّاح القصري ــ جُبران نعُّوم ــ عبدُ النبيّ مُحمَّد ــ محمد التوني ــ سيِد مصطفى ــ محمد كمال المصري ( شرفنطح ) " كذلك استعان الريحاني بِراقصة يونانيَة جميلة تسمى " كيكي " واتفق مع صاحبة ملهى " كازينو دي پاري " ثم شرع الريحاني بالاشتراك مع " بديع خيري " في إعداد مسرحيَّات جديدة
افتتحت الفرقة الجديدة موسمها باستعراض بِعنوان " ليلة جنان " ثم تلاه باستعرضان " مملكة الحُب - الحُظوظ " وقد أحسن الجُمهُور استقبال هذه المسرحيَّات وعلى الرغم من ارتفاع أسعار التذاكر فإن المسرح كان يمتلئ بالمُشاهدين في كل ليلة
حتَّى يتمكن هو وخيري من كتابة مسرحيَّة جديدة، جاءت بِعنوان " عشان بوسة " وحقَّقت نجاحًا عظيمًا وقد تلتها مسرحيَّتان هُما " آه من النسوان - ابقى اغمزني " وقد اختتم الريحاني موسمه بِمسرحيَّة " القاهرة 1929 "
وفي الموسمين التاليين عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " وهو مُمتلئ تحمُسًا إلى إخراج الاستعراضات وقد مثلت أوَّلُها بِعنوان " اتبحبح " ثم أتبعها بِأوپريت " ليلة نغنغة " وانتهي الموسم في شهر مايو 1930م ، بعدها وافق " نـجـيـب الـريـحـانـي " على تمثيل فيلم عن شخصية " كشكش " في سپتمبر والفيلم بِعنوان " صاحب السعادة كشكش بك " وشاركه في الفيلم " استيفان روستي - حسين رياض " وكان اول فيلم له في السينما المصرية .
وفي تلك الفترة أتاه عرض من أحد الأثرياء " إميل خوري " والمُقيم في فرنسا يدعوه لِتمثيل فيلم عربي في باريس من إنتاج شركة " إخوان جومون " الفرنسيَّة فقبل على الفور ولما وصل إلى باريس وقَع عقدًا لِتمثيل أفلام ثلاثة لِمدة ثلاث سنوات وحمل الفيلم الأول عنوان " ياقوت أفندي " وفي باريس تلقَّى " نـجـيـب الـريـحـانـي " برقية تتعجَّل عودته إلى القاهرة ويعرض عليه مرسلها العمل بِمسرح " برنتانيا " ففرح الريحاني فرحًا كبيرًا لِهذه الفُرصة فقد كان كارهًا للسينما على الدوام كما كان يشعر بالحنين إلى المسرح من أجل هذا عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى مصر في شهر ديسمبر 1933م.
وفي مارس 1934م عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى المسرح بالكوميديا الجديدة " الدنيا لما تضحك " وقد حققت المسرحيَة نجاحا طيبا ، وفي هذا الموسم ضمَ إلى فرقته عدة أسماء جديدة منها "بشارة واكيم ــ ماري مُنيب ــ فؤاد شفيق ــ محمود رضا ــ توفيق صادق ــ حسن فائق ــ جبران نعوم ــ عبد الفتاح القصري "
وفي الفترة الباقية من الموسم اتفق على إحياء موسم الصيف بِمسرح " لوناپارك " الصيفي بالإسكندريَّة. وهناك ظلت الفرقة تعمل حتَى نهاية شهر سپتمبر ، وفي اكتوبر ضم الريحاني الي فرقته الاختين " زوزو شكيب ــ ميمي شكيب " كذلك انضم " استيفان روستي " إلى الفرقة ، وكتب " بديع خيري " للفرقة " الشايب لما يدلع ــ الدنيا جرى فيها ايه "
ونظرا للظروف السياسية التي مرت بها مصر في تلك الفترات فشكلت تلك الظروف مادة دسمة اسنتد عليها الريحاني في مسرحيَّاته التالية لِتسليط الضوء على مشاكل المُجتمع العديدة حملت أولى مسرحيَات الريحاني لِتلك الفترة عنوان " حُكم قراقوش " وتتحدث عن الاستبداد السياسي الذي جرى في عهد رئيس الوُزراء " إسماعيل صدقي باشا " وتسخر منهُ ومن " الملك فُؤاد الأوَّل " وسائر حاشيته ، ولدت الفكرة الرئيسية لِمسرحيَة " حُكم قراقوش " التي قُدِّر لها أن تكون درة أعمال " الريحاني " المسرحية حيث كانت أقوى ساتيرات الريحاني حتى ذلك الوقت وقد نجحت على الفور ، وغصت الصالة بالمُتفرجين كُل ليلة.
وقد شاهد " إسماعيل صدقي باشا " هذه المسرحية وهنأ الريحاني عليها شخصيًا وقد عُرضت تلك المسرحيَّة على مسرح " ريتس " الذي انتقل اليه الريحاني مع فرقته واستمر يعمل به حتى اعتزاله ، استمرَ عرض " حُكم قراقوش " يناير 1936م وتلتها مسرحيَتان هما " مين يعاند ست - فانوس أفندي " وانتهى الموسم في شهر بريل
وفي شهر أغسطس 1936م وقَع " نـجـيـب الـريـحـانـي " عقدًا مع مسرح " الهمبرا " بالإسكندريَة وكانت فرقته تتألَّف حينها من " عبد العزيز خليل ــ استيفان روستي ــ حسن فائق ــ فيليپ كامل ــ عبدُ اللطيف جمجوم ــ محمد حسن الديب ــ بشارة واكيم ــ محمد كمال المصري ــ عبد الفتاح القصري ــ ماري مُنيب ــ ميمي شكيب ــ زوزو شكيب ــ زينات صدقي - محمد مصطفى ــ سيد سليمان ــ محمد حلمي ــ عبد العزيز يوسف ــ محمد لطفي " وفي نوڤمبر 1936م افتتح الريحاني موسمه الشتوي بِمسرحيَة جديدة عنوانها " قسمتي " ولقد أحب الجمهور المسرحية وتلها مسرحيَّة " مندوب فوق العادة " وانتهى موسم 1936-1937 الذي كان من أنجح المواسم التي قدَّمها " نـجـيـب الـريـحـانـي " ونال عنه تقدير الجمهور والنقاد كفنَان موهوب
عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى السينما وكان يكره هذا الفن لكنه كان يرى فيه غولًا يجب اللحاق به ، ومن ثمَ كان عليه أن يُواجه تحدِّي العمل في مجالٍ آخر ، وكان فيلمه السابق حامل عنوان " بِسلامته عايز يتجوز " والذي أُنتج سنة 1934م قد أثبت أنَه ممثل عادي ، حمل الفيلم التالي عنوان " سلامة في خير " وتعاون الريحاني مع بديع خيري على كتابته ونجح الفيلم نجاحا باهرا
كان " نـجـيـب الـريـحـانـي " يعمل بِأحد المسارح الصيفيَّة بِالإسكندريَّة وعندما حان موعد افتتاح موسم 37 - 1938 بِمسرحه ، لم يكن لديه مسرحيَّة جديدة لِيُقدمها ، فاضطرَّ إلى تقديم عرض " قسمتي " في الافتتاح ، وقد ظلَّ المسرح طوال عرضها كامل العدد.
وأخيرًا مثَّل الريحاني في يناير 1938م ، واحدة من أكثر كوميدياته شعبيَّة هي " لو كُنت حليوه " وفي تلك الفترة بلغ الريحاني مكانةً رفيعةً جدًا بين جميع الفنانين المصريين حيثُ أنَّهُ كان يُدعى إلى البلاط الملكي لِلتمثيل أمام الأُسرة الحاكمة ، وكانت أوَّل مرَّة له في شهر فبراير من نفس السنة عندما دُعي لِتقديم عرض في مُناسبة عيد ميلاد الملك فاروق.
وقد أشارت الصحافة المصريَّة إلى هذا الحدث باعتباره أوَّل مرَّة ينال فيها فنان مصري مثل هذا الشرف.
وفي شهر أبريل 1938م كتب " نـجـيـب الـريـحـانـي " مع " بديع خيري " مسرحيَّة جديدة بِعنوان " الستات ما يعرفوش يكدبوا " بعدها مرُض " نـجـيـب الـريـحـانـي " مرضًا شديدًا، نُقل على أثره إلى المُستشفى لِعلاجه وبعد شفائه ، وقَّع عقدًا لِتمثيل فيلمٍ آخر باستُوديو مصر عنوانه " سي عمر " وظلَّ يعمل بِالفيلم خِلال صيف سنة 1939م ، حتَّى انتهى من تصويره مع بداية الخريف وعلى الرُغم من انشغال الريحاني في تصوير فيلم " سي عُمر " فقد استطاع أن يشترك مع " بديع خيري " في كتابة مسرحيَّة جديدة لِيفتتح بها موسم 39 - 1940 وقد مُثِّلت المسرحيَّة في صورة استعراض بِعنوان " ما حدِّش واخد منها حاجة " انتقد فيها الريحاني بعض تقاليد الحياة المصريَّة كاحتفالات الزواج والمآتم.
عقب الاستعراض الأخير مثَّل " نـجـيـب الـريـحـانـي " في 6 أبريل 1940م مسرحيَّة بِعنوان " حكاية كُل يوم " وتلتها مسرحيات " مدرسة الدجالين ــ ثلاثين يوم في السجن ــ ياما كان في نفسي "
بعد ذلك استضافت دار الأوپرا فرقة الريحاني في عدة مناسبات منها افتتاح المسرحية الجديدة " حسن ومُرقص وكوهين " التي مُثِّلت في مارس 1943م واعتُبرت تلك المسرحيَّة إحدى أروع مسرحيَّات " نـجـيـب الـريـحـانـي " على الأطلاق وكانت أبرز دليل على بلوغه قمة تطوُّره كساتيرست اجتماعي وقد حققت مسرحيَّة " حسن ومُرقص وكوهين " شعبية ضخمة فقد ظلت تمثل بِدار الأوپرا طوال شهر مارس ، وفي أبريل انتقل عرضها إلى مسرح " ريتس " وفي نهاية مايو سافر " نـجـيـب الـريـحـانـي " ليمثل المسرحية بِفلسطين ثم بالإسكندرية وبِمختلف مدن الأقاليم المصرية بعد ذلك
وفي سپتمبر 1943م افتتح موسمه الجديد بِمسرحيات قوية شيِقة وكانت المسرحيَة منها تستبدل كل ثلاث أو أربع ليال وقدم عرضا بِدار الأوپرا وانتهى الموسم في مايو 1944م .
وفي 30 مايو وقَع عقدا لتمثِل فرقته بِمسرح صيفي بالقاهرة أنشأته " دولت أبيض " زوجة الممثل " جورج أبيض " وظلَ طوال الصيف يمثِل مسرحية مختلفة كل ليلتين أو ثلاث وعلى الرغم من أن " نـجـيـب الـريـحـانـي " كان يعيد تمثيل مسرحيَّاته القديمة فإن المسرح كان يمتلئ بِالجمهور كل ليلة
وفي أكتوبر عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى مسرح " ريتس " فأخذ يقدم مسرحياته القديمة حتى شهر مارس 1945م قدَم مسرحية جديدة بِعنوان " إلا خمسة " التي ظلَت تعرض بِنجاح حتى شهر يونيو ، كما مثِلت بدار الأوپرا بِحضور " الملك فاروق " وبِهذه المسرحية انتهى موسم " نـجـيـب الـريـحـانـي "
تميزت السنوات الأخيرة من حياة " نـجـيـب الـريـحـانـي " بالنجاح والتقدير المُزايد ، وافتتح الريحاني موسم1947 في ديسمبر بِمسرحيات قديمة يحبها الجمهور وظل يمثل طوال الموسم بِمسرح " ريتس "
وفي صيف سنة 1948م انتقل مع فرقته إلى مسرح " محمد علي " بالإسكندرية وبعدها أمضى شهرين بِأوروپا ثم عاد إلى القاهرة في أكتوبر 1948م وفي تلك الفترة وقع " نـجـيـب الـريـحـانـي " عقد لتمثيل فيلم جديد بِعنوان " غزل البنات " الذي قدر له أن يكون آخر أفلامه وعلامة بارزة في تاريخ السينما العربية والمصرية ، وشارك " نـجـيـب الـريـحـانـي " البُطولة في هذا القيلم كل من " ليلى مراد وأنور وجدي ــ وسليمان بك نجيب ــ عبد الوارث عسر ــ يوسف بك وهبي ــ محمد عبد الوهاب "
وأظهر " نـجـيـب الـريـحـانـي " في هذا الفيلم مقدرته الكبيرة على التنقل بين الكوميديا والدراما في عدة مشاهد منها أحد المشاهد الأخيرة التي كان عليه أن يبكي فيها لفراقه ليلى مراد بعد أن تعلق بها فبدل أن يستخدم عقار الغليسرين لإثارة دموعه بكى بكاء حقيقيا على الشاشة وقال لاحقًا أنَه تمكَّن من فعل ذلك بِأن ذكر نفسه بِشقيقه الذي خرج قديمًا من منزلهم ولم يعد.
وبتاريخ 29 يناير 1949م بدأ الموسم الشتوي الجديد وفي 23 مايو انتقل " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى مسرح " محمد علي " بالإسكندرية لِإحياء موسم الصيف لكنه أُصيب بِالتيفوئيد في 29 مايو ونقل إلى القاهرة لِعلاجه
ترك " نـجـيـب الـريـحـانـي " بصمة فارقة في تاريخ المسرح والسينما العربية من خلال أعمال جمعت بين الفكاهة والدراما والتي عكست بدورها ملامح الحقبة التي عاش فيها لتمنحه بجدارة لقبي زعيم المسرح الفكاهي والضاحك الباكي
حيث قدم " نـجـيـب الـريـحـانـي " الكثير من المسرحيات التي شكلت نقلة نوعية في تاريخ المسرح العربي والمصري وعالجت وناقشت هذه المسرحيات مواضيع كثيرة في تلك الفترة
كما قدم " نـجـيـب الـريـحـانـي " للسينما المصرية مجموعة من الأفلام التي ستظل تاريخية في ذاكرة السينما وهذة الافلام هي " صاحب السعادة كشكش بيه ــ حوادث كشكش بك ــ ياقوت أفندي ــ بسلامته عايز يتجوز ــ سلامة في خير ــ أحمر شفايف ــ سي عمر ــ ابو حلموس ــ لعبة الست ــ غزل البنات "
حـيـاتـه الـشـخـصـيـة
تزوج " نـجـيـب الـريـحـانـي " من الفنانة والراقصة السورية " بديعة مصابني " ولكن تم الانفصال إذ كانت بديعة تعتبر الزواج عائق بوجه طموحاتها وأن غيرة نجيب الريحاني تزيد الطين بلة ، لم يرزق منها بأطفال خلال فترة زواجهما
كما تزوج أيضا من " لوسي دي فرناي " الفرنسية ذات الاصل الألماني وانجب منها "جينا " ولكنها نسبت في الوثائق إلى شخص آخر كان يعمل ضابطا في الجيش الألماني بسبب قوانين هتلر التي تمنع زواج أي ألمانية من شخص غير ألماني
وفـاتـه
جاءت وفاة " نـجـيـب الـريـحـانـي " صدمة للكثيرين فتوفى الريحاني في الثامن من يونيو عام 1949 م حيث أصيب بمرض التيفوئيد الذي كان سبباً في وفاته.
وقد كشف الدكتور احمد سخسوخ الناقد المسرحى المعروف والعميد الاسبق لمعهد الفنون المسرحية عن ان وفاة " نـجـيـب الـريـحـانـي " كانت بسبب اهمال من ممرضته بالمستشفى اليونانى حيث اعطتة جرعة زائدة من عقار الاكرومايسين ليموت الريحانى بعدها بثوانى.
كشكش بيه و الضاحك الباكي
Mostafa Elsheikh originally shared:
أول أمس كان ذكري ميلاد الفنان الكوميدي الكبير " نـجـيـب الـريـحـانـي " كشكش بيه الضاحك الباكي أستاذ الكوميديا وزعيم المسرح الفكاهي
ولد نجيب إلياس ريحانة الشهير ب " نـجـيـب الـريـحـانـي " في حي باب الشعرية لأب من أصل عراقي مسيحي اسمه " إلياس ريحانة " يعمل بتجارة الخيل فاستقر به الحال في القاهرة ليتزوج سيدة مصرية قبطية أنجب منها ولده " نجيب " ، نشأ " نـجـيـب الـريـحـانـي " في القاهرة وعاش في حي باب الشعرية الشعبية منفردا فعاشر الطبقة الشعبية البسيطة والفقيرة ، عاش في حي الظاهر بالقاهرة وبدت عليه ظاهرة الانطوائية إبان دراسته بمدرسة الفرير الابتدائية ، وهي مدرسة لغتها الرسمية الفرنسية مما أتاح له فهم هذه اللغة وتطويعها لعقليته الصغيرة.
عندما أكمل " نـجـيـب الـريـحـانـي " تعليمه ظهرت عليه بعض الملامح الساخرة ولكنه كان يسخر بخجل ، وعندما نال شهادة البكالوريا " الثانوية العامة " كان والده قد تدهورت تجارته فاكتفى بهذه الشهادة وبحث عن عمل يساعد به اسرته وهو لم يبلغ السادسة عشرة بعد - التحق بِعملٍ بالبنك الزراعي، لِيُساهم بِدوره في الإنفاق على أُسرته.
عندما بدأ " نـجـيـب الـريـحـانـي " بِعمله في البنك الزراعي تعرف على " عزيز عيد " وهو مخرج شاب لم يكن عمله في البنك يمنعه عن مُولاة التمثيل فجمعت بينهما صداقةٌ متينة وكانت سببا في حب " نـجـيـب الـريـحـانـي " لِلمسرح إذ أخذ الصديقان يترددان معا على الفرق المسرحية بالقاهرة وتمكنا من الحُصول على وظيفتي كومبارس بِدار الأوپرا وكانت أوَّل رواية اشترك الريحاني في تمثيلها هي رواية " الملك يلهو "
قرر " عزيز عيد " تكوين فرقته المسرحية الخاصة وكان من الطبيعي أن ينضم " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى هذه الفرقة ، استقال " عزيز عيد " من عمله في البنك سنة 1908م ليتفرغ تمامًا للتمثيل ، وانتقل بِفرقته المسرحية إلى مسرح إسكندر فرح بِشارع عبد العزيز وتشارك مع الممثل القديم " سليمان الحداد " وكان " نـجـيـب الـريـحـانـي " بحكم صداقته مع " عزيز عيد " كانت تسند إليه أدوار ثانويَّة صغيرة ، ولم يكن انصراف " نـجـيـب الـريـحـانـي " للمسرح يسمح له بالانتظام في عمله بالبنك ، ففصل منه بعد أن أصبح عدد أيام تغيُبه عن عمله لا يطاق بالنسبة لِلإدارة
بعد فصله من البنك بفترة قصيرة عرض عليه الممثل " أمين عطا الله " الذي كان قد تعرف عليه في فرقة " عزيز عيد "العمل بِفرقة أخيه " سليم عطا الله " بِالإسكندريَّة مقابل أربعة جنيه في الشهر ، فقبل " نـجـيـب الـريـحـانـي " وكانت أول مسرحية مثلها هي مسرحية " شارلُمان " التي أُسند إليه فيها دور الإمبراطور الإفرنجي وهو دور ثانوي ويذكر أن " نـجـيـب الـريـحـانـي " قد أدي دوره بِنجاحٍ مبهر في ليلة الافتتاح حتي طغى على البطل نفسه " سليم عطا الله " الذي كان يُشارك بالتمثيل وبعد الانتهاء من العرض حتى هرع إلى " نـجـيـب الـريـحـانـي " جمهور من الكتاب والأُدباء وصافحوه مُهنئين ونصحوا المدير " سليم عطا الله " بالاحتفاظ به لأنَّه سيكون ممثلًا لا يشق له غبار ، ويبدو أن هذا النجاح أثار عليه حقد المدير " سليم عطا الله " فقرر فصله من الفرقة
بعد فترة طويلة قضاها " نـجـيـب الـريـحـانـي " بلا عمل تحول لِلبحث عن عمل في مجالٍ آخر غير المسرح ، حتي كانت سنة 1910م حيث التحق بوظيفة كاتب حسابات بشركة السكر بنجع حمادي بالصعيد ، وهذه الشركة كانت ملكا خالصا للاقتصادي المصري " أحمد عبود باشا " والذي أنشأ عدة شركات تعمل في كل المجالات ، ولكن لم يدم " نـجـيـب الـريـحـانـي " طويلاً في تلك الوظيفة حيث تم فصله من العمل وعاد الي القاهرة ، وازدادت أحواله سوءًا على سوء عندما طردته والدته من المنزل بعد فصله من عمله كونها كانت قد ضاقت به ذرعا ، وبعد فترة تمكن " نـجـيـب الـريـحـانـي " من العثور على عمل كمترجم بفرقة الشيخ " أحمد الشامي " ترجم لها مسرحيتين فرنسيتين وذات يومٍ فوجئ بِزيارة امة له ، التي أتته تحمل خطابا من شركة السكر يبح له العودة إلى عمله السابق ، وحاولت إقناعه بِترك التمثيل وتقبل " نـجـيـب الـريـحـانـي " العرض لأنَه كان قد ذاق الهوان في هذه الفرقة وعاد مع امه إلى القاهرة ومنها سافر إلى شركة السكر بِنجع حمادي ، وقضى سنتين في الشركة واجنهد في عمله حتى حاز ثقة مدير الشركة وغيره من الرُؤساء ، فارتفع بِذلك مرتبه إلى أربعة عشر جنيها في الشهر.
وفي سنة 1912م تلقى رسالة من " عزيز عيد " يخبره فيها بِإنشاء فرقة جديدة تولى إدارتها الممثل " جورج أبيض " وقرأ " نـجـيـب الـريـحـانـي " هذه الرسالة ولم يعد يستطيع مقاومة إغراء المسرح فحصل على إجازة وسافر إلى القاهرة ، وهناك شاهد جميع مسرحيات جورج أبيض ، ثم عاد بعد شهرين إلى عمله لِنفاذ نقوده ، ومضت سنتان أُخرتان لم يحدث فيهما تغيير يذكر وفي سنة 1914م فصل " نـجـيـب الـريـحـانـي " مرة أخرى من شركة السكر فعاد إلى القاهرة مجددا
بعد عودته إلى القاهرة التحق " نـجـيـب الـريـحـانـي " بِفرقة جورج أبيض " وكانت أول مسرحية يظهر فيها " نـجـيـب الـريـحـانـي " هي مسرحية " صلاح الدين الأيوبي " وكان جورج أبيض يضطلع فيها بِدور الملك الإنجليزي ريتشارد قلب الأسد ، بينما اختير للريحاني دورا صغيرا هو ملك النمسا ، وكان كل ما عليه أن يفعله هو أن يقف أمام جورج أبيض ويتكلَم بضع كلماتٍ فقط.
وكانت الحرب العالمية الأولى قد اشتعلت في ذلك الوقت ، وكانت الصحف والمجلات المصرية والأجنبية تنشر صورا لِمُلوك وأباطرة الدول المتحاربة ، ومن بينها صورة الإمبراطور النمساوي " فرانس جوزف الأول " فخطر " نـجـيـب الـريـحـانـي " أن يتقمص شخصيَة هذا الإمبراطور ما دام دوره هو ملك النمسا فتبرج ووضع لحية اصطناعية على وجهه ، ثم خرج إلى المسرح حينما حان الوقت ، فضج الجمهور بالضحك ، وعلى أثر ذلك الحادث فصل " نـجـيـب الـريـحـانـي " من الفرقة ولم يصبح بلا عمل فقط ، بل إنه وجد جميع الأبواب مغلقة في وجهه كذلك
بعد فصله من الفرقة أخذ " نـجـيـب الـريـحـانـي " يتردد على المقهى يوميا ليقضي أوقات فراغه ولحق به " عزيز عيد " الذي ترك هو الآخر فرقة " جورج أبيض " وجلس الاثنان يتشاوران في أمر مستقبلهما وسرعان ما انضم إليهما بعض الممثلين الذين كانوا يعانون الإفلاس والبطالة مثلهم ، ومنهم " أمين صدقي ــ استيفان روستي ــ حسن فائق ــ عبد اللطيف جمجوم " وكانوا جميعا يتطلعون إلى تكوين فرقة جديدة ، وذات يومٍ قدَّم لهم ثري من رواد المقهى عشرة جُنيهات ، لِيبدءوا في تكوين الفرقة ، فأنشأوا بِهذا المبلغ " فرقة الكوميدي العربي " في صيف سنة 1914م تحت إشراف " عزيز عيد " واستهلَّت الفرقة نشاطها في مسرح " برنتانيا " بِإحدى أعمال الكاتب الفرنسى جورج فيدو هي " خلِّي بالك من إميلي " وهي من ترجمة " أمين صدقي " وأعلن " عزيز عيد " أن مشاهدة هذه المسرحية مقصورة على الرجال فقط ، هاجم النقَاد هذه المسرحية بحجة مخالفتها لِلواقع والمنطق والأخلاق.
وبعد شهرين انتقلت الفرقة إلى مسرحٍ آخر أقل نفقات ، وهو مسرح " الشانزليزيه " بِالفجالة ، ولم يكتب لِهذه المحاولة النجاح وانخفض دخل الفرقة مما أدى إلى توقف عروضها وفي نهاية الأمر تم حل الفرقة
وفي منتصف عام 1916م كان " نـجـيـب الـريـحـانـي " جالسًا في مقهى مسرح " برنتانيا " فأتى شخص يرتدي سترة فاخرة ويمسك عصا وجلس بجانبه وناوله سيجارة دون مقدمات حيث كان " استيفان روستي " زميله الذي عانى معه من الشقاء والفقر ، وأخذ روستي يحدثه عن مصدر ثروته ، حيث وجد عملًا بِملهى " الأبيه دي روز " الذي كان ملكا لِشخصٍ يوناني يدعى " روزاتي " هناك كان استيفان روستي يُقدِّم مسرحيات خيال الظل ، ويُؤدي مع إحدى المُمثلات مشاهد غراميَة كوميدية خلف ستارة شفافة تضاء من الداخل ، وهذا اللون من التمثيل كان مألوفا لجمهور الملهى وكان " استيفان روستي " يتقاضى عن دوره أجرا مرتفعا ، بلغ ستين قرشًا في الليلة الواحدة.
وطلب " نـجـيـب الـريـحـانـي " من " استيفان روستي " أن يجد لهُ عملًا مماثلًا معه وكان دور " نـجـيـب الـريـحـانـي " في تمثيلية خيال الظل بسيطا للغاية ، إذ تقدم راقصة حسناء بِمصاحبة الريحاني ، الذي كان يؤدي دور خادمٍ نوبي على رأسه طربوشٍ وكان أجر " نـجـيـب الـريـحـانـي " أربعين قرشا عن الليلة الواحدة وبعد فترة رأى " نـجـيـب الـريـحـانـي " أن الوقت قد حان لِكي يهجر دوره في تمثيلية خيال الظل الهابطة ، فأقنع " روزاتي " صاحب الملهى بأن يسمح له هو و " استيفان روستي " بِتقديم كوميديا قصيرة من فصلٍ واحد بالفرنسية إلا أن هذه الخطوة لم تنجح
وذات يوم خطرت " نـجـيـب الـريـحـانـي " فكرة جديدة ، وكانت هذه الفكرة هي شخصية " كشكش بك " وفي أول شهر يوليو عام 1916 كتب " نـجـيـب الـريـحـانـي " وأخرج أولى مسرحيات " كشكش بك " بِعنوان " تعالي لي يا بطة " التي استغرق عرضها عشرين دقيقة ، وابتهج جمهور حفل الافتتاح ورفع " روزاتي " أجر " نـجـيـب الـريـحـانـي " الذي تعهد بِإخراج مسرحية جديدة كل أسبوع ، فأخرج بعدها مسرحيتي" بِستة ريال ــ بكره في المشمش " وسُرعان ما ذاعت أنباء هذه المسرحيات وتهافت الناس على مشاهدتها ، فقد فكر " نـجـيـب الـريـحـانـي " في الاستعانة بِـ " أمين صدقي " كما قام بِتنمية فرقته الصغيرة المؤلفة من " استيفان روستي و عبد اللطيف المصري " بأن ضم إليها " كلود ريكانو و عبد اللطيف جمجوم "
وفي أواخر عام 1916م قدم " نـجـيـب الـريـحـانـي " أربع مسرحيات جديدة ، هي على التوالي" خلِّيك تقيل ــ هزِّ يا وز ــ إديلو جامد ــ بلاش أونطة "
حققت مسرحيات الريحاني نجاحًا كبيرًا حتى ارتقى من ممثل صغير إلى مؤلف مشهور ونجم لامع وعندما أصر " نـجـيـب الـريـحـانـي " على رفع أجره حيث طلب زيادة أُخرى رفض " روزاتي " فترك المسرح وقرر أن يعمل لِحسابه الخاص.
نظَم " نـجـيـب الـريـحـانـي " فرقته الخاصة وانتقل إلى مسرحٍ صغيرٍ يقع في شارع بولاق ، هو مسرح " الرينيسانس " وفي 18 ديسمبر 1916م بدأت مرحلة جديدة من حياة " نـجـيـب الـريـحـانـي " الفنيَة كممثل ومدير فرقة ، ففي هذا اليوم نشرت جريدة الأهرام إعلانًا مفاده أنَ الريحاني سيعرض رواية " إبقى قابلني " في تياترو الرينيسانس وأن هذه الرواية قابلة لِحضور العائلات والسيِدات كونها عبارة عن تسلية بريئة لا أكثر.
وقد مثلت " إبقى قابلني " في شهر يناير 1917 ثم تلتها " كشكش في باريس ــ أحلام كشكش بك ــ وداع كشكش بك ــ وصية كشكش بك " وانتهى عقد " نـجـيـب الـريـحـانـي " بِمسرح الرينيسانس بعد أن استغرق عمله فيه أربعة أشهر وكان موسمًا على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لمشوار نجيب الريحاني
بعد النجاح الذي حققه " نـجـيـب الـريـحـانـي " سعي الي تدعيم فرقته بِعناصر جديدة وجيِدة ، وأول شئ فعله هو تحويل مقهي الي مسرح " الإجپسيانا " في شهر سپتمبر 1917م وقد بلغت الفرقة درجةً عالية من القوة والتماسك وقد افتتحت الفرقة موسمها في سپتمبر 1917م بِمسرحية " أم أحمد " من تأليف أمين صدقي ، وبعد هذه المسرحية قامت الفرقة بثلاث مسرحيات قصيرة وهي " أم بكير ــ حماتك بتحبك ــ حلق حوش "
وفي شهر ديسمبر 1917م وجد " نـجـيـب الـريـحـانـي " أن الوقت قد حان لإجراء تحسينات فنية ، فداخلتهُ الثقة بِقُدرته على إنتاج استعراضات ذات موضوعات جادة ومضمون مصري وعربي ، فاستعان بِأوركسترا موسيقية كبيرة ، حتى يتسنى له تقديم استعراضات فخمة ، وزود المسرح بالتصميمات اللازمة ، كما طلب من أمين صدقي كتابة استعراض جديد يحمل عنوان " حمار وحلاوة " وقد حققت نجاحا هائلا فاستمر عرضها أربعة أشهر ، وبلغت أرباح " نـجـيـب الـريـحـانـي " وحده 400 جنية في الشهر الأول ، وعلى ذلك النجاح طلب " أمين صدقي " نسبة من الأرباح لكن " نـجـيـب الـريـحـانـي " رفض فاستقال " امين صدقي " من الفرقة
وقد خلف " امين صدقي " في الفرقة شاعر شاب يدعى " بديع خيري " حيث أصبح صاحب فضل في نجاح استعراضات" نـجـيـب الـريـحـانـي " بِأزجاله الوطنية وقد نجح أول استعراض " على كيفك " حيث كتب " بديع خيري " أغانيه حتى أن عرضه استمر شهرين ونصف وحقق أرباحا هائلة وكان " نـجـيـب الـريـحـانـي " سعيدًا بِجهود " بديع خيري " فرفع راتبه إلى ثلاثين جُنيهًا
كما أغرى " نـجـيـب الـريـحـانـي " موسيقار شاب موهوب وهو " سيِد درويش " بِترك فرقة " جورج أبيض " مقابل أربعين جُنيهًا في الشهر وخلال هذه الفترة عرض " للريحاني " عدَّة مسرحيَّات هي على التوالي " مصر في 1918 ، 1920 ــ قولوا له ــ إش! ــ ولو! ــ رن! ــ فشر " وفي تلك الفترة بلغ مسرح " الإجپسيانا " قمة مجده وقد بلغت أرباح الريحاني " حتى نهاية السنة الأولى 28 ألف جُنيه
وفي بداية الموسم الشتوي لِسنة 1920م جمع " نـجـيـب الـريـحـانـي " أعضاء فرقته وشرع في تقديم مسرحيَّات " كشكش بك " في جولة في بعض الأقطار العربية لكن هذه الرحلة لم يكتب لها النجاح المطلوب ولكنها حققت نتيجة طيِبة في جانبٍ آخر بالنسبة " نـجـيـب الـريـحـانـي " حيث إلتقى في لبنان بامرأة جميلة تدعى " بديعة مصابني " أغراها بالانضمام إلى فرقته واتخذها خليلة له وعاد معها إلى مصر.
وفي سنة 1921م أخرج " نـجـيـب الـريـحـانـي " واحدة من أبرز ما شهد المسرح المصري بِعنوان " ريا وسكينة " وقد نجحت تلك المسرحية نجاحا باهرا ، وظل " الريحاني " يقدم عروضه من شهر مارس حتي شهر مايو على مسرح " كونكورديا " بالإسكندرية وعند انتهاء العقد قرر " نـجـيـب الـريـحـانـي " القيام بِرحلة أخرى إلى الشام ولم تؤد هذه الرحلة إلى نتيجة فقد ظلت المتاعب تؤرقه وساءت حالته المادية مما جعله يفكر باعتزال المسرح ، حتى علم أن مُمثلًا شابا يدعى " يوسف وهبي " شرع في تكوين فرقة جديدة يتبع فيها أسلوبا مسرحيا جديدا هو " الميلودراما " ولم يكن مخرج فرقة وهبي الجديدة سوى " عزيز عيد " عندئذ قرر " نـجـيـب الـريـحـانـي " على الفور أن يعود إلى مصر وكانت أول مشكلة صادفت " نـجـيـب الـريـحـانـي " بعد عودته إلى القاهرة في شهر يناير 1923م هي العثور على نص وذات يوم قدم له " بديع خيري " أوپريت مقتبسة من قصة " علاء الدين والمصباح السحري " نجحت المسرحية سالفة الذكر بمجرد عرضها وعندما ظهر الريحاني على المنصة في ليلة الافتتاح ، استقبله الجمهور بعاصفة من التصفيق
وفي مايو 1923م أخرج " نـجـيـب الـريـحـانـي " أوپريت جديدة تحمل عنوان " الشاطر حسن " وكانت هي الأُخرى مقتبسة عن " ألف ليلة وليلة " وفي فبراير 1924م قدم أوپريت جديدة هي " البرنسيس " كما أخرج " نـجـيـب الـريـحـانـي " في نفس الشهر أوپريتين جديدتين هما " أيام العز ــ الفلوس " ثم تبعهما بـ " مجلس الأُنس " واختتم عام 1924 بالأوپريت " لو كنت ملك " وبعدها انتهى عقد " نـجـيـب الـريـحـانـي " مع مسرح " برنتانيا " في شهر يوليو
رحـلـتـه إلـي أمـريـكـا الجـنـوبـيـة
فكر " نـجـيـب الـريـحـانـي " بِالقيام بِرحلةٍ جديدة متطلعا من وراء رحلته إلى تحقيق أهدافٍ ترفيهية وماديَة. وكان قد علم أن أمريكا الجنوبية تضم جالية عربية ضخمة وقبل أن يبحر " نـجـيـب الـريـحـانـي " اتخذ قرارًا آخر يفوق الأول أهميَة وهو أن يتزوج " بديعة مصابني " فتوجَه إليها وطلب منها أن تنصرف معه ليتزوجها ووافقت بديعة وفي 11سپتمبر 1924م تم زواجهما وفي أواخر سنة 1924م أبحر " نـجـيـب الـريـحـانـي " وزوجته إلى البرازيل وبصحبته بعض أعضاء فرقته ، كانت مفاجأة سارة للريحاني إذ اكتشف أنه معروف في ساو پاولو وغيرها من المدن البرازيلية بل وجد لديهم نسخهم المحلية من " كشكش بك " أيضا
ففي البرازيل كان جورج استاتي السوري الأصل يمثل مسرحيات " نـجـيـب الـريـحـانـي " وقد أطلق على نفسه " كشكش البرازيلي " وفي الأرجنتين كان يوجد كشكش آخر يُمثله " جبران الطرابلسي"
استقبل " نـجـيـب الـريـحـانـي " بِحفاوةٍ في ريو دي جانيرو ومونتڤيدو ومثلت الفرقة في هاتين المدينتين فصولًا من أوپريتات المواسم الماضية.
عـودتـه الـي مـصـر
عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " في أكتوبر 1925م وكان في انتظاره بِميناء الإسكندرية " أمين صدقي " وكان صدقي قد اختلف مع " علي الكسار " وأبدى رغبته في معاودة العمل مع الريحاني فوافق " نـجـيـب الـريـحـانـي " لأنه اكتشف ان " بديع خيري " الذي كان مختصا بِكتابة مسرحيات الفرقة كان منشغلًا بِتأليف أوپريتات " علي الكسار "
فاشترك " نـجـيـب الـريـحـانـي " مع " أمين صدقي " في تكوين فرقة للأوپريت وترجم صدقي أوپريتتين فرنسيتين هما " الليل والنهار ــ مراتي في الجهاديَّة " وفي ليلية الافتتاح استقبل الجمهور" الريحاني " استقبالًا حارًا ولكن يدم التعاون بين " نـجـيـب الـريـحـانـي " وصدقي طويلًا فقد انفصلا بعد شهرين وفي نفس الفترة تشاجر الريحاني مع " بديعة مصابني " وانفصل عنها
وفي تلك الفترة تضاءلت تلك الشعبيَّة التي كان يتمتَّع بها الريحاني " بدلا من انه كان يعمل في الميدان بلا مُنافسة ، أصبح يتقاسم جُمهوره المسرح مع الفرق الأُخرى
بعد تلك الفترة والازمات لم يقم " نـجـيـب الـريـحـانـي " بِنشاط منتظم فقد تاه فجأة وسط جو مشحون بالاضطراب الفنِّي والمتاعب الماديَّة والأزمات العاطفية ، وقرر الريحاني وقتها أن يهجر الكوميديا إلى الميلودراما بعد أن أخذت تشق طريقها بِنجاحٍ متزايد مُنذ أن تبنَاها " يوسف وهبي " وفي الوقت نفسه كان يفكر في اتخاذ قرار بِشأن مستقبله حيث لم تكن له فرقة ولا مسرح ويبدو أن نجاح " يوسف وهبي " زاده إصرارا على هذا الأمر.
وذات يومٍ بينما كان " نـجـيـب الـريـحـانـي " جالسًا بالمقهى بلغتهُ أنباء بِأنَ نجوم فرقة " وهبي " قد اختلفوا مع صاحبها وانسحبوا منها ، ووجدها " نـجـيـب الـريـحـانـي " فرصة ثمينة فبادر باقتناصها ، وتعاقد معهم جميعا ، وقرر لهم أجورا أعلى من أُجورهم السابقة واستطاع بذلك تكوين فرقة من أقدر ممثلي الميلودراما وعلى رأسهم " روز اليوسف ــ عزيزة أمير ــ ومنسى فهمي ــ سرينا إبراهيم ــ حسن البارودي ــ حسين رياض ــ أحمد علام " أما بالنسبة للمسرح فقد كانت هناك صالة خالية مُجاورة لِمسرح " رمسيس " فاستولى عليها الريحاني وحوَلها إلى مسرح أنيق وأطلق عليه " مسرح الريحاني " ووقع اختياره على ست مسرحيَّات أوروپية مشهورة وعهد إلى بعض المترجمين بِمهمة نقلها إلى العربية الفصحى وفي شهر يونيو 1926م أعلن عن مشروعه الجديد لكن هذه الأنباء قوبلت بازدراء وتشكك ، وافتتح " الريحاني " مشروعه الجريء في أول شهر نوڤمبر 1926م بِمسرحيَة " المتمرِّدة " وفي ليلة الافتتاح استقبل الجُمهُور مشروع " نـجـيـب الـريـحـانـي " الجديد بِتشكك وبعدها بعدة مسرحيات ولكن لم يؤد عرض هذه المسرحيات إلى تحسن يذكر على موقف الفرقة وهبطت الإيرادات بِشدة ممَا اضطر " الريحاني " إلى خفض مرتبات الممثلين وأخيرا اضطر إلى وضع حد لِمشروعه وحل فرقته في 29 نوڤمبر بعد أربعة أسابيع فقط من الافتتاح.
خرج " نـجـيـب الـريـحـانـي " من هذه التجربة مفلسًا فقد اضطرَ إلى اقتراض مبالغ كبيرة لِيتمكَن من إخراج برامج جديدة لم يكن يستطيع تمويله ، وفي الأعوام التالية كان اهتمامه مُنصبًّا على سداد ديونه فكرس نشاطه لِإخراج مسرحيات مربحة ، لكنَها كانت مهمة شاقَة في ذلك الوقت ، بِسبب ظروف المسرح الصعبة آنذاك.
ففي أواخر عقد العشرينيَّات أخذ النشاط المسرحي يتقهقر بِصُورةٍ خطيرة فقد بدأ الجُمهُور يفقد اهتمامه بالمسرح، لانصرافه إلى مجالاتٍ أُخرى للتسلية. ففقد يُوسُف وهبي - مثلًا - نسبةً كبيرةً من جُمهُوره على أثر الزيارات المُتتابعة لِلفرق الأجنبيَّة.
وفي سنة 1925م قامت أول محاولة مُنظمة لِإنتاج فيلم مصري وأبدى الجمهور تحمسه لِلأفلام الصَّامتة ، كفيلم " ليلى " وقد صادفت الأفلام الأمريكية إقبالا جماهيريا واجتذبت هي والأفلام المصريَة نسبةً كبيرةً من جمهور المسرح ، كذلك أقبل الجمهور على عروض الصالات الموسيقيَة لِما كانت توفره لِلمتفرِج من متعة سهلة متنوِّعة مثل صالة " بديعة مصابني " لِهذا أقدم " نـجـيـب الـريـحـانـي " عندما عاد إلى الكوميديا على حشد العناصر الموسيقيَّة في مسرحيَّاته
عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى مسرحيَّات " كشكش " في أوَّل الموسم الجديد، وكوَن فرقةً جديدةً ضمَّ إليها كل من " حُسين إبراهيم ــ ألفرد حدَّاد ــ عبدُ الفتَّاح القصري ــ جُبران نعُّوم ــ عبدُ النبيّ مُحمَّد ــ محمد التوني ــ سيِد مصطفى ــ محمد كمال المصري ( شرفنطح ) " كذلك استعان الريحاني بِراقصة يونانيَة جميلة تسمى " كيكي " واتفق مع صاحبة ملهى " كازينو دي پاري " ثم شرع الريحاني بالاشتراك مع " بديع خيري " في إعداد مسرحيَّات جديدة
افتتحت الفرقة الجديدة موسمها باستعراض بِعنوان " ليلة جنان " ثم تلاه باستعرضان " مملكة الحُب - الحُظوظ " وقد أحسن الجُمهُور استقبال هذه المسرحيَّات وعلى الرغم من ارتفاع أسعار التذاكر فإن المسرح كان يمتلئ بالمُشاهدين في كل ليلة
حتَّى يتمكن هو وخيري من كتابة مسرحيَّة جديدة، جاءت بِعنوان " عشان بوسة " وحقَّقت نجاحًا عظيمًا وقد تلتها مسرحيَّتان هُما " آه من النسوان - ابقى اغمزني " وقد اختتم الريحاني موسمه بِمسرحيَّة " القاهرة 1929 "
وفي الموسمين التاليين عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " وهو مُمتلئ تحمُسًا إلى إخراج الاستعراضات وقد مثلت أوَّلُها بِعنوان " اتبحبح " ثم أتبعها بِأوپريت " ليلة نغنغة " وانتهي الموسم في شهر مايو 1930م ، بعدها وافق " نـجـيـب الـريـحـانـي " على تمثيل فيلم عن شخصية " كشكش " في سپتمبر والفيلم بِعنوان " صاحب السعادة كشكش بك " وشاركه في الفيلم " استيفان روستي - حسين رياض " وكان اول فيلم له في السينما المصرية .
وفي تلك الفترة أتاه عرض من أحد الأثرياء " إميل خوري " والمُقيم في فرنسا يدعوه لِتمثيل فيلم عربي في باريس من إنتاج شركة " إخوان جومون " الفرنسيَّة فقبل على الفور ولما وصل إلى باريس وقَع عقدًا لِتمثيل أفلام ثلاثة لِمدة ثلاث سنوات وحمل الفيلم الأول عنوان " ياقوت أفندي " وفي باريس تلقَّى " نـجـيـب الـريـحـانـي " برقية تتعجَّل عودته إلى القاهرة ويعرض عليه مرسلها العمل بِمسرح " برنتانيا " ففرح الريحاني فرحًا كبيرًا لِهذه الفُرصة فقد كان كارهًا للسينما على الدوام كما كان يشعر بالحنين إلى المسرح من أجل هذا عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى مصر في شهر ديسمبر 1933م.
وفي مارس 1934م عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى المسرح بالكوميديا الجديدة " الدنيا لما تضحك " وقد حققت المسرحيَة نجاحا طيبا ، وفي هذا الموسم ضمَ إلى فرقته عدة أسماء جديدة منها "بشارة واكيم ــ ماري مُنيب ــ فؤاد شفيق ــ محمود رضا ــ توفيق صادق ــ حسن فائق ــ جبران نعوم ــ عبد الفتاح القصري "
وفي الفترة الباقية من الموسم اتفق على إحياء موسم الصيف بِمسرح " لوناپارك " الصيفي بالإسكندريَّة. وهناك ظلت الفرقة تعمل حتَى نهاية شهر سپتمبر ، وفي اكتوبر ضم الريحاني الي فرقته الاختين " زوزو شكيب ــ ميمي شكيب " كذلك انضم " استيفان روستي " إلى الفرقة ، وكتب " بديع خيري " للفرقة " الشايب لما يدلع ــ الدنيا جرى فيها ايه "
ونظرا للظروف السياسية التي مرت بها مصر في تلك الفترات فشكلت تلك الظروف مادة دسمة اسنتد عليها الريحاني في مسرحيَّاته التالية لِتسليط الضوء على مشاكل المُجتمع العديدة حملت أولى مسرحيَات الريحاني لِتلك الفترة عنوان " حُكم قراقوش " وتتحدث عن الاستبداد السياسي الذي جرى في عهد رئيس الوُزراء " إسماعيل صدقي باشا " وتسخر منهُ ومن " الملك فُؤاد الأوَّل " وسائر حاشيته ، ولدت الفكرة الرئيسية لِمسرحيَة " حُكم قراقوش " التي قُدِّر لها أن تكون درة أعمال " الريحاني " المسرحية حيث كانت أقوى ساتيرات الريحاني حتى ذلك الوقت وقد نجحت على الفور ، وغصت الصالة بالمُتفرجين كُل ليلة.
وقد شاهد " إسماعيل صدقي باشا " هذه المسرحية وهنأ الريحاني عليها شخصيًا وقد عُرضت تلك المسرحيَّة على مسرح " ريتس " الذي انتقل اليه الريحاني مع فرقته واستمر يعمل به حتى اعتزاله ، استمرَ عرض " حُكم قراقوش " يناير 1936م وتلتها مسرحيَتان هما " مين يعاند ست - فانوس أفندي " وانتهى الموسم في شهر بريل
وفي شهر أغسطس 1936م وقَع " نـجـيـب الـريـحـانـي " عقدًا مع مسرح " الهمبرا " بالإسكندريَة وكانت فرقته تتألَّف حينها من " عبد العزيز خليل ــ استيفان روستي ــ حسن فائق ــ فيليپ كامل ــ عبدُ اللطيف جمجوم ــ محمد حسن الديب ــ بشارة واكيم ــ محمد كمال المصري ــ عبد الفتاح القصري ــ ماري مُنيب ــ ميمي شكيب ــ زوزو شكيب ــ زينات صدقي - محمد مصطفى ــ سيد سليمان ــ محمد حلمي ــ عبد العزيز يوسف ــ محمد لطفي " وفي نوڤمبر 1936م افتتح الريحاني موسمه الشتوي بِمسرحيَة جديدة عنوانها " قسمتي " ولقد أحب الجمهور المسرحية وتلها مسرحيَّة " مندوب فوق العادة " وانتهى موسم 1936-1937 الذي كان من أنجح المواسم التي قدَّمها " نـجـيـب الـريـحـانـي " ونال عنه تقدير الجمهور والنقاد كفنَان موهوب
عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى السينما وكان يكره هذا الفن لكنه كان يرى فيه غولًا يجب اللحاق به ، ومن ثمَ كان عليه أن يُواجه تحدِّي العمل في مجالٍ آخر ، وكان فيلمه السابق حامل عنوان " بِسلامته عايز يتجوز " والذي أُنتج سنة 1934م قد أثبت أنَه ممثل عادي ، حمل الفيلم التالي عنوان " سلامة في خير " وتعاون الريحاني مع بديع خيري على كتابته ونجح الفيلم نجاحا باهرا
كان " نـجـيـب الـريـحـانـي " يعمل بِأحد المسارح الصيفيَّة بِالإسكندريَّة وعندما حان موعد افتتاح موسم 37 - 1938 بِمسرحه ، لم يكن لديه مسرحيَّة جديدة لِيُقدمها ، فاضطرَّ إلى تقديم عرض " قسمتي " في الافتتاح ، وقد ظلَّ المسرح طوال عرضها كامل العدد.
وأخيرًا مثَّل الريحاني في يناير 1938م ، واحدة من أكثر كوميدياته شعبيَّة هي " لو كُنت حليوه " وفي تلك الفترة بلغ الريحاني مكانةً رفيعةً جدًا بين جميع الفنانين المصريين حيثُ أنَّهُ كان يُدعى إلى البلاط الملكي لِلتمثيل أمام الأُسرة الحاكمة ، وكانت أوَّل مرَّة له في شهر فبراير من نفس السنة عندما دُعي لِتقديم عرض في مُناسبة عيد ميلاد الملك فاروق.
وقد أشارت الصحافة المصريَّة إلى هذا الحدث باعتباره أوَّل مرَّة ينال فيها فنان مصري مثل هذا الشرف.
وفي شهر أبريل 1938م كتب " نـجـيـب الـريـحـانـي " مع " بديع خيري " مسرحيَّة جديدة بِعنوان " الستات ما يعرفوش يكدبوا " بعدها مرُض " نـجـيـب الـريـحـانـي " مرضًا شديدًا، نُقل على أثره إلى المُستشفى لِعلاجه وبعد شفائه ، وقَّع عقدًا لِتمثيل فيلمٍ آخر باستُوديو مصر عنوانه " سي عمر " وظلَّ يعمل بِالفيلم خِلال صيف سنة 1939م ، حتَّى انتهى من تصويره مع بداية الخريف وعلى الرُغم من انشغال الريحاني في تصوير فيلم " سي عُمر " فقد استطاع أن يشترك مع " بديع خيري " في كتابة مسرحيَّة جديدة لِيفتتح بها موسم 39 - 1940 وقد مُثِّلت المسرحيَّة في صورة استعراض بِعنوان " ما حدِّش واخد منها حاجة " انتقد فيها الريحاني بعض تقاليد الحياة المصريَّة كاحتفالات الزواج والمآتم.
عقب الاستعراض الأخير مثَّل " نـجـيـب الـريـحـانـي " في 6 أبريل 1940م مسرحيَّة بِعنوان " حكاية كُل يوم " وتلتها مسرحيات " مدرسة الدجالين ــ ثلاثين يوم في السجن ــ ياما كان في نفسي "
بعد ذلك استضافت دار الأوپرا فرقة الريحاني في عدة مناسبات منها افتتاح المسرحية الجديدة " حسن ومُرقص وكوهين " التي مُثِّلت في مارس 1943م واعتُبرت تلك المسرحيَّة إحدى أروع مسرحيَّات " نـجـيـب الـريـحـانـي " على الأطلاق وكانت أبرز دليل على بلوغه قمة تطوُّره كساتيرست اجتماعي وقد حققت مسرحيَّة " حسن ومُرقص وكوهين " شعبية ضخمة فقد ظلت تمثل بِدار الأوپرا طوال شهر مارس ، وفي أبريل انتقل عرضها إلى مسرح " ريتس " وفي نهاية مايو سافر " نـجـيـب الـريـحـانـي " ليمثل المسرحية بِفلسطين ثم بالإسكندرية وبِمختلف مدن الأقاليم المصرية بعد ذلك
وفي سپتمبر 1943م افتتح موسمه الجديد بِمسرحيات قوية شيِقة وكانت المسرحيَة منها تستبدل كل ثلاث أو أربع ليال وقدم عرضا بِدار الأوپرا وانتهى الموسم في مايو 1944م .
وفي 30 مايو وقَع عقدا لتمثِل فرقته بِمسرح صيفي بالقاهرة أنشأته " دولت أبيض " زوجة الممثل " جورج أبيض " وظلَ طوال الصيف يمثِل مسرحية مختلفة كل ليلتين أو ثلاث وعلى الرغم من أن " نـجـيـب الـريـحـانـي " كان يعيد تمثيل مسرحيَّاته القديمة فإن المسرح كان يمتلئ بِالجمهور كل ليلة
وفي أكتوبر عاد " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى مسرح " ريتس " فأخذ يقدم مسرحياته القديمة حتى شهر مارس 1945م قدَم مسرحية جديدة بِعنوان " إلا خمسة " التي ظلَت تعرض بِنجاح حتى شهر يونيو ، كما مثِلت بدار الأوپرا بِحضور " الملك فاروق " وبِهذه المسرحية انتهى موسم " نـجـيـب الـريـحـانـي "
تميزت السنوات الأخيرة من حياة " نـجـيـب الـريـحـانـي " بالنجاح والتقدير المُزايد ، وافتتح الريحاني موسم1947 في ديسمبر بِمسرحيات قديمة يحبها الجمهور وظل يمثل طوال الموسم بِمسرح " ريتس "
وفي صيف سنة 1948م انتقل مع فرقته إلى مسرح " محمد علي " بالإسكندرية وبعدها أمضى شهرين بِأوروپا ثم عاد إلى القاهرة في أكتوبر 1948م وفي تلك الفترة وقع " نـجـيـب الـريـحـانـي " عقد لتمثيل فيلم جديد بِعنوان " غزل البنات " الذي قدر له أن يكون آخر أفلامه وعلامة بارزة في تاريخ السينما العربية والمصرية ، وشارك " نـجـيـب الـريـحـانـي " البُطولة في هذا القيلم كل من " ليلى مراد وأنور وجدي ــ وسليمان بك نجيب ــ عبد الوارث عسر ــ يوسف بك وهبي ــ محمد عبد الوهاب "
وأظهر " نـجـيـب الـريـحـانـي " في هذا الفيلم مقدرته الكبيرة على التنقل بين الكوميديا والدراما في عدة مشاهد منها أحد المشاهد الأخيرة التي كان عليه أن يبكي فيها لفراقه ليلى مراد بعد أن تعلق بها فبدل أن يستخدم عقار الغليسرين لإثارة دموعه بكى بكاء حقيقيا على الشاشة وقال لاحقًا أنَه تمكَّن من فعل ذلك بِأن ذكر نفسه بِشقيقه الذي خرج قديمًا من منزلهم ولم يعد.
وبتاريخ 29 يناير 1949م بدأ الموسم الشتوي الجديد وفي 23 مايو انتقل " نـجـيـب الـريـحـانـي " إلى مسرح " محمد علي " بالإسكندرية لِإحياء موسم الصيف لكنه أُصيب بِالتيفوئيد في 29 مايو ونقل إلى القاهرة لِعلاجه
ترك " نـجـيـب الـريـحـانـي " بصمة فارقة في تاريخ المسرح والسينما العربية من خلال أعمال جمعت بين الفكاهة والدراما والتي عكست بدورها ملامح الحقبة التي عاش فيها لتمنحه بجدارة لقبي زعيم المسرح الفكاهي والضاحك الباكي
حيث قدم " نـجـيـب الـريـحـانـي " الكثير من المسرحيات التي شكلت نقلة نوعية في تاريخ المسرح العربي والمصري وعالجت وناقشت هذه المسرحيات مواضيع كثيرة في تلك الفترة
كما قدم " نـجـيـب الـريـحـانـي " للسينما المصرية مجموعة من الأفلام التي ستظل تاريخية في ذاكرة السينما وهذة الافلام هي " صاحب السعادة كشكش بيه ــ حوادث كشكش بك ــ ياقوت أفندي ــ بسلامته عايز يتجوز ــ سلامة في خير ــ أحمر شفايف ــ سي عمر ــ ابو حلموس ــ لعبة الست ــ غزل البنات "
حـيـاتـه الـشـخـصـيـة
تزوج " نـجـيـب الـريـحـانـي " من الفنانة والراقصة السورية " بديعة مصابني " ولكن تم الانفصال إذ كانت بديعة تعتبر الزواج عائق بوجه طموحاتها وأن غيرة نجيب الريحاني تزيد الطين بلة ، لم يرزق منها بأطفال خلال فترة زواجهما
كما تزوج أيضا من " لوسي دي فرناي " الفرنسية ذات الاصل الألماني وانجب منها "جينا " ولكنها نسبت في الوثائق إلى شخص آخر كان يعمل ضابطا في الجيش الألماني بسبب قوانين هتلر التي تمنع زواج أي ألمانية من شخص غير ألماني
وفـاتـه
جاءت وفاة " نـجـيـب الـريـحـانـي " صدمة للكثيرين فتوفى الريحاني في الثامن من يونيو عام 1949 م حيث أصيب بمرض التيفوئيد الذي كان سبباً في وفاته.
وقد كشف الدكتور احمد سخسوخ الناقد المسرحى المعروف والعميد الاسبق لمعهد الفنون المسرحية عن ان وفاة " نـجـيـب الـريـحـانـي " كانت بسبب اهمال من ممرضته بالمستشفى اليونانى حيث اعطتة جرعة زائدة من عقار الاكرومايسين ليموت الريحانى بعدها بثوانى.
تعليقات: 0
إرسال تعليق