.نهاد سيريس كاتب سوري متميز، في روايته هذه لا يحدد المكان ولا الزمان.. مسكون بحدث ليوم واحد ومدينه لا على التعيين، وبطل الرواية هو الراوي الوحيد والشاهد الوحيد ايضا.
.الراوي فتحي يستيقظ على صخب مسيرة الزامية يساق بها الناس الى الشوارع والساحات تهلل وتهتف للزعيم بصفته قائد البلاد والعباد. واله متوج على عبيد مستكينين، مسيرة تملأ الفضاء باصواتها، والشوارع بحضورها.. فتحي حيادي اتجاه المسيرة الاجباريه. فاليوم هو الذكرى العشرين لانقلاب الزعيم.
والناس(كل الناس) مجبرين للتواجد بالشارع للتسبيح بحمد الزعيم وللتهليل له وللتعبير عن الولاء والحب والطاعه ايضا… فتحي ينوي الخروج من منزله للتوجه لبيت حبيبته لمى ليشاركها معاناته مما يجري. فهو كاتب حر ممنوع من الكتابة الآن لانه لم يقبل ان يكون جزء من جوقة التطبيل والتزمير للزعيم وحزبه.
الذين سيطروا على الدولة والمجتمع. وحولوه الى قطيع ينزلوه الى الشارع في كل مناسبة لترسيخ الولاء وصناعة الطاعة ودفع الجميع للتصرف اتجاه الزعيم وكأنه إله يعبد.. يخرج فتحي ويلتقي بالحزبيين يقودون المسيرة ويعاقبون المتهربين منها. وكذلك رجال الامن اللذين يلتقون به يسير عكس اتجاه المسيره، وعندما يسألوه مستنكرين. يعلمون من هو فيتهموه بالخيانة والعماله، ويأخذون هويته ويدعونه لمراجعة مكتب الحزب وفرع الامن… يخاف ولا يهتم.. يستمر بالسير فيصل الى بيت حبيبته لمى.. لمى المرأة التي انفصلت عن زوجها لانه تزوج بالسر قريبة مسؤول حزبي، وحصل على مكتسبات ذاتيه.
حاولت الانفصال عنه وهو لم يستجب، وجدت بفتحي الشخص الذي تعوض بحبه عن خيانة زوجها و انتهازيته، هي ايضا لا تحب السلطة ولا الحزب ولا الزعيم، وتصنع مع فتحي ثنائيا متحابا في موقف واحد معادي للزعيم وحزبه ونظامه، تعيش مع فتحي علاقة جنسية مفتوحة تعويضيه. فيها من التحدي وصراع البقاء الكثير.. ففتحي الذي حققوا معه عن علاقته بلمى، ذكر زوجها بالسوء واستهان به بالفاظ سوقيه. ادت لتحقيق متواصل.
في رحلة عذاب يومي وتعذيب ايضا. يعود كل مرة للمى ليعوض معها وعندها عن خوفه الوجودي وتحديه. واصراره على موقفه الانتحاري كمعارض للنظام والزعيم.. منع من الكتابة وصودرت كتبه ورواياته واحيل على التهميش والتقاعد الاجباري. والده قبله معارض توفي باكرا. ترك وراءة فتحي وامه التي لم تستوعب صدمة غياب الزوج. فبدأت تعيش تعويضا لذلك بحياة اجتماعيه صاخبه لكنها فارغة. واخته التي سرعان ما تزوجت واصبحت سيدة اسرة تقليدية. مع زوج عادي تعيش على هامش الحياة. تعتاش بالتوافه راضية. فلا بديل لها الا ذلك مع زوج تقليدي ومحدود الذهن. لكنه تاجر وغني وله علاقاته السلطوية التي تجعله من الناجحين ماديا.. وهي تعيش في عز هذا الغنى وتبعياته المجتمعيه. بكل شكلياتها وفراغها وضياعها.. امه تعيش مراهقة السن المتأخرة تحاول تجديد شباب زائل.. يطلبها هائل المسؤول الحزبي والامني كزوجه ثانيه. وتفاتح ولدها بذلك وهو يستغرب ما هذا الزواج الان.
ومن رجل يتناقض بالمطلق مع والده كمثقف وسياسي معارض. لكنها لا تهتم وتقبل بالزواج منه وتطالب الابن فتحي بالقبول والحضور… وفتحي الذي يعاني ويفرغ معاناته عند لمى ويتناقشى حول ذلك ويكتشفا ان هذا الزواج قد يكون مقدمه لاعادة تدجين فتحي وضمه الى جوقة السلطة وعبادة الزعيم والانضمام للحزب ولاعوان السلطه..
سيقرر ان ينتظر ليعرف، ويذهب لمركز الحزب للحصول على هويته المحتجزة، بعد ان حاول الدفاع عن احد الطلبة الهاربين من المسيرة وهم يكيلون له الضرب المبرح. سيستقبلوة بالتهم والتهجم، ويحيلوة لفرع الامن ليحصل على هويته، سيكتشف في مركز الحزب وفرع الامن، ورشة كبيرة جدا، لصناعة عبادة الزعيم. سواء لطباعة صورة بكل الاشكال والالوان او كلماته بكل مناسبة، و صناعة الشعارات والافكار المكرره لتصل لمرحلة اليقين لمجرد التكرار.
انها صناعة عبيد عصريين لزعيم واحد اوحد. وحزب ممتلئ بالانتهازيين والمدافعين عن ربهم الزعيم. والمحققين ضمنا و(كل على حدى) حصته من المصالح والمكاسب.. سيكتشف في مركز الامن ان من طلبه.
هو هائل نفسه كرئيس للفرع الامني ويخبره بصراحة مطلقة. انه سيتزوج امه بالرضى او الغصب، وان فتحي سيلتحق بجوقة الزعيم وصناع الرأي حول الزعيم. او ليختار الصمت وهو صمت القبور.. وبذلك تلقى رسالة واضحة اما الالتحاق بالسلطه والزعيم والعمل معهم ككاتب يستثمر موهبته للزعيم والحزب والسلطه.
او يختار القبر او السجن والاهانة لامه … ويغادر فتحي الى اخته ليسمع رأيها. فتستقبله مهللة لقد جاءت لك فرصة العمر فاغتنمها. اترك السياسة والاعتراض والاهتمام بشأن الناس.
واهتم بمصلحتك ولا تفوت الفرصة.. ويغادر للمى خائبا.. يعوض معها حبا. ويحارب معها خوفا وجوديا، يبحث عن حل.. ولا حل..؟!!.. ولكنه يحلم مع لمى انه رفض عرض هائل، وانه انقذ امه من زواج اقرب لاغتصاب..
هنا تنتهي الرواية…
.الرواية كتبت في سوريا ومن كاتب سوري وفي عصر النظام المستبد ووصفا صريحا له، رغم التلغيز الشكلي. وهي تحدي صريح وكشف لمرض عضال اسمه السلطه الاستبدايه السرطانيه في جسم المجتمع. مع كل آلتها الاعلاميه. واستعبادها للناس وترويصهم في سرك التظاهر والاستعباد لاله واحد هو رأس النظام وحزبه.. والكل في الدولة عبيد يخدموا سلطان واحد وسلطه واحده وصنم معتمد في طول البلاد وعرضها.
.نعم هكذا كنا نعيش الى ان جاء ربيعنا السوري ضمن الربيع العربي. واكدنا اننا بشرا احرار ولسنا عبيدا، وان لنا الحق بالحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعيه. والديمقراطيه. وان الاستبداد والفساد وعبادة الحاكم الفرد. والقطيعية طارئة على جسم المجتمع، ولذلك ثرنا ولذلك نقدم التضحيات. ولذلك مستمرون حتى استرداد انسانيتنا، في دولة حرة عادلة ديمقراطيه.
احمد العربي
التدوينة قراءة في رواية: الصمت والصخب ظهرت أولاً على الأيام.
تعليقات: 0
إرسال تعليق